lundi 19 novembre 2007

ما هي اسباب ودوافع وأد جزء غير يسير من تاريخنا الحديث والمعاصر؟


ما هي اسباب ودوافع وأد جزء غير يسير من تاريخنا الحديث والمعاصر؟
أليس من المفروض النبش والتنقيب في هذا التاريخ-سيما وأن بعض الذين عايشوا أطواره مازالوا على قيد الحياة-ليس من أجل البحث والتنقيب فقط, بل من أجل ادراك آليات تطور مجتمعنا وتشكل الشخصية المغربية بصفة عامة ,والشخصية الريفية بصفة خاصة,و التي تعتبر ثمرة ونتاج ممارسات الاجيال الراهنة؟
وانقيادا بالأسئلة الانفة ارتأيت الى البحث في مراجع اجنبية من بينها :
Hariss ,France ,spain and the rif
Woolmen,robels in the rif
حرب الغازات السامة بالمغرب لرولف دييترمولر ورودبيرت كونز
فقمت بالتنقيب بين صفحاتها لعلي اجد فيها ما يتناول تاريخ مدينتي تارجيست بصفة خاصة ,ومنطقة الريف بصفة عامة, فوجدت ضالتي والنزر اليسير الذي كشف غمتي, واثلج صدري.وما كان لي الا أن أسطر بعض الحقائق التاريخية التي كنت أجهلها (مثلا, بأن تارجيست أصبحت مقرا للقيادة العليا للقوات الريفية فيما بعد .وأنها آخر محطة للمجاهد عبد الكريم حيث استسلم بها.)وقد تكون غائبة على اغلبية بني جلدتي, والتي فضل وطننا الحبيب ,طمسها ودفنها في حفر ة التجاهل.

يبدو بان حرب المقاومة التي خاضها البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي في بداية العشرينات بجبال الريف قد أوصد عليها في صندوق النسيان, واصبحت فصلا يكاد يكون منسيا في تاريخ الحروب, بالرغم من انها احتلت أي حرب التحرير الريفية العناوين البارزة للصحافة العالمية.

فقد أنزل أجدادنا هزيمة نكراء بالغزاة الاسبان ,ومرغوا أنوفهم في التراب..وكان اعلان قيام الجمهورية الاسلامية الريفية, استفزازا وتحديا للمستعمرين الاسباني والفرنسي من جهة, وتهديدا للمصالح الاستراتيجية للقوى العظمى المطلة على البحر الابيض المتوسط من جهة اخرى.وفقط التدخل الفرنسي ومد جارتها بأحدث الاسلحة والعتاد بالاضافة الى استعمال الغازات السامة التي تم استعمالها لاول مرة بالمغرب وعلى ناطق واسع رجح كافة الاسبان لاخماد المقاومة.

فاستعمال أسلحة الابادة الجماعية, والغازات السامة بواسطة الطائرات سهل مأمورية المستعمر وبشكل كبير في كسر شوكة القبائل الريفية.فكما يشهد التاريخ ,فهذه الغازات السامة اثرت على مجرى الحرب العالمية الاولى, وقد أثرت فيما بعد على مجرى غزو الايطاليين للحبشة, وفي أيامنا هذه على مجرى حرب الخليج بين ايران والعراق.

فبعد اندلاع الحرب وبعد ان مرغت المقاومة الريفية انف المستعمر في التراب وبعد معركة انوال اتت عملية الانزال العسكرية للمستعمر الاسباني بخليج الحسيمة, والمخطط لها منذ زمن بعيد.حيث توجه في السابع من شتنبر 1925 اسطول متكون من 36 سفينة حربية اسبانية, من بينها حاملات طائرات و63 سفينة محملة بالجنود ,واعتماد القوة المستعمرة على 100 طائرة أخرى.وفي صبيحة اليوم الموالي و بعد تجاوز الخط الدفاعي للمقاومة, والذي كان يعتمد بالاساس على حفرمجموعة من الخنادق, وتحصين المواقع الخاصة بالمدفعية. لم يستطع الاسبان الوصول الى قلب الريف والتوغل فيه سوى مسافة 400 متر يوميا.فرغم ظروف الحرب التقليدية, بالاضافة الى تفوقه في العتاد الحربي وعرموم جيشه المتكون من 1200 رجل,واستعمال المدفعية و المصفحات والطائرات والغاز السام ,لم تسلم المقاومة في شبر واحد دون قتال, ولكن للاسف سقطت أجدير عاصمة الريف في الثاني من اكتوبر وقام اللفيف الاجنبي باحراق معضم أحيائها.

وبعد ايام قلائل, شهدت المنطقة الشرقية بدورها التحام القوات الاسبانية بشقيقتها الفرنسية مشكلتان جيشا قوامه نصف مليون جندي لمواجهة 12000 من المقاومين الريفيين, أي ما مدلوله: مقاتل ريفي واحد مقابل اربعين جنديا من الغزاة. فتم بذلك احكام الطوق على مركز الريف ,الشيء الذي دفع بالبطل المجاهد عبد الكريم الى نقل مقر حكومته الى أغوار الجبل الموالي لتامرسينت. وأصبح مقر القيادة العليا للقوات الريفية بتارجيست(تاركيست).الا ان المكانين معا كانا في غير مأمن من الغارات الجوية الاسبانية.وليست هنالك أية تقارير تتحدث عن فترة المعاناة التي مرت بها ساكنة الريف خلال فصل الشتاء, ولا عن الكيفية التي قاومته بها,حيث لجأت اغلبيتها الى الكهوف والاغوارلتعاني من الجوع والمرض والجراح وتواجه افق المستقبل الغامض الذي مازلنا نعايشه مع مختلف الحكومات المغربية المتعاقبة.لكن رغم ألم الجراح ووحشية العدو الذي اتلف معظم المحاصل والمزارع, قامت القوات الريفية في شهر فبراير بمهاجمة مدينة تطوان عاصمة الحماية الاسبانية, انطلاقا من مواقع خاصة بالمدفعية كانت قد اخفتها داخل بعض المغارات عن اعين الغزاة بمهارة فائقة.لكن لم يكن بامكان تلك العملية الرائعة التي تدل على صمود اجدادنا وتفضيلهم الكفاح عن النباح والنواح -كما يفعل بعضنا اليوم- ان يغير من واقع الامر شيئا غيرالحاق الاهانة بالاسبان.

وبعد زمن يسير تمت الموافقة على اجراء مفاوضات السلام بوجدة في بداية شهر ابريل والتي وضعت القوتان الاستعماريتان أربعة شروط لتحقيق سلام يكون فيه على المقاومة

الاعتراف بالسيادة العليا للسلطان على مجموع التراب المغربي
تسليم الاسلحة
اطلاق سراح الاسرى الاسبان والفرنسيين
الموافقة على نفي عبد الكريم الخطابي

ابتدات المفاوضات بالرغم من رفض عبد الكريم لتلك الشروط المسبقة من اجل السلام ,وتحرك في نفس الوقت الغزاة الى مواقع متقدمة يضمن سلامتها الاستراتيجية.وبعد مضي اربعة ايام من بدء المفاوضات, اصدرت مدريد وباريس تحذيرا يتوجب على المقاومة بمقتضاه ,قبول كافة الشروط دون تعديل ولا شرط في في ظرف اسبوع.

فالقى القائد والبطل عبد الكريم بمسودة السلام في سلة المهملات وفضل مواصلة المقاومة والقتال حتى استشهاد آخر رجل.وبعد انصرام الاجل عن التحذير الذي اطلقه الغزاة, شهد الجنوب الشرقي لمدينة أجدير معركة حاسمة وخلال ثلاثة ايام من القتال, سقط من الجانب الاسباني ازيد من 1200جندي بينما خسارة المقاومة لم تتجاوزالألف حسب التقديرات.

وفي الثالث والعشرين من ماي وبعد مقاومة عنيفة أظهرت بسالة ورباطة جأش المقاوين احتلت مدينة تارجيست,ففرعبد الكريم الى مكان قريب منها,فقام الفرنسيون بقصفه بعد ان دلهم على موقعه احد كتبته, والذي كان يعد واحدا من اتباعه المقربين.فكانت مدينة تارجيست اخر محطة ولم يعد هنالك شك في ان البطل عبد الكريم كان اشرف على نهايته هو وحركة المقاومة الريفية.

وفي السابع والعشرين من ماي 1926 استسلم عبد الكريم الذي لم يعرف تاريخ المقاومة مثيلا له الى ذلك الحين.وسلم نفسه للفرنسيين بتارجيست للنجاة بجلده وصونا لحياة افرده واصدقائه المقربين.الا ان الدور الذي لعبه الفرنسين من اجل تحقيق عملية الاستسلام مازال غامضا.وقد جن جنون الاسبان عندما رفض اخوانهم في الحرب تسليمهم القائد الريفي,لان وجود عبد الكريم حيا او ميتا بين ايديهم كان ليشكل رمزا ودلالة على انتصارهم.اما فرنسا فاعتبرت موت القائد على انه سيجعل منه شهيدا, وتستمر خطورته ردحا من الزمان فيحين ان استسلامه حيا يقصي امكانية نسج اساطير حول شخصيته.وقدعبر عن ذلك تيودور ستينغ تعبيرا حكيما حينما قال بان افضل ما كان بامكانهم القيام به,هو ان يدعوا عبد الكريم ليغرق في بحر النسيان.

وقد قام الفرنسيون بنقل قائد الثورة الريفية من قصر العدالة بتارجيست التي كان يقيم بها تحت حراسة امنية مشددة,برفقة عائلته واتباعه الاوفياء,الى تازة ومن ثم الى فاس.وفي الثاني من شتنمبر قامت احدى البواخر الحربية الفرنسية بنقل القائد والبطل محمد بن عبد الكريم الخطابي من المغرب بمعية مرافقيه الى منفاه بجزيرة رييونيون على المحيط الهادي ليعيش بها 21 سنة قبل ان يتمكن من الفرار بمصر سنة 1946 حيث قضى بها بقية حياته الى ان وافته المنية سنة 1963. لكن نفي قائد المقاومة ,لم يكن ليوقف رحى الحرب ,إذ أن العديد من القبائل واصلت المقاومة بشكل انفرادي.وفي شهر أكتوبر تم إخضاع 55 قبيلة ,وجردت من السلاح.فيحين تمسكت 11 قبيلة بمواصلة المقاومة ورفض الاستسلام.فلم تكتفي اسبانيا بتدمير القرى والمناطق السكنية, بل تعدته الى التقتيل الجماعي بتلك المناطق,وهي ممارسات يمكن وصفها بكونها إبادة شاملة للسكان.
وبعد مضي أزيد من شهرين أعلنت إسبانيا في العاشر من يوليوز 1927 رسميا القضاء على حركة المقاومة الريفية .

amchom.be

azul imazeghan

الصورة ملتقطة من نواحي سيدي لحسن بالناظور le 19/11/2007